الماء في الحكاية الشعبية
مدخل عام:
على غرار نشأة الحكاية الشعبية، ما يهمنا أكثر في هذا البحث من الناحية الجغراف ية، هو علاقة الحكاية الشعبية بالموارد الطبيعية خاصة المائية، حيث ترجع أغلب أساطير المجتمعات البشرية أصل الكون والحياة وجميع المخلوقات إلى الماء، الذي يعتبر شريان الحياة في كوكبنا، كان له دور في قيام حضارات في شتى أنحاء العالم، اختلفت الجوانب الثقافية في ال تعامل مع الماء.
سنحاول الإشارة من خلال الحكاية الشعبية المصورة حول الماء، للتوضيح مدى أهمية هذا المورد المحدود، الذي يكتسي طابعا خاصا في الموروث الشعبي، ويتجلى ذلك في ضرورية وجوده والدعوة إلى حسن استغلاله واستعمال كل الوسائل للحصول عليه.
I علاقة الماء بالحكاية الشعبية
نقصد بالحكاية الشعبية عبارة عن قصص مروية نسجها الخيال الشعبي، وتداولها الناس جيل بعد جيل، متحف للصور والرموز التي راجت في المجتمع وتراكمت منذ أجيال قديمة وكونت خيال جماعي.
تندرج في الموروث الشفهي واللامادي، عرفتها نجيمة الغزالي التي من بين اهتماماتها تاريخ الثرات الشفهي المغربي، بأنها الحكاية المغربية خزان للعادات والتقاليد والقيم، وهي عبارة عن أرشيف يتضمن طرق عيش الأسلاف والتفاعل مع المحيط الطبيعي(الماء). فالحكاية، تسمع ، تفهم وتروى، مع تغير بعض العناصر، تتوافق مع فكر ووجدان المتلقي.
❖ الحكاية الشعبية تقاوم وطأة ندرة الماء:
إن الثقافة المغربية، تتضمن كافة الإنتاجات الفكرية، المادية )الخطارات السواقي...
- واللامادي يتجلى التراث الثقافي غير المادي للشعوب، في كافة المظاهر غير المادية وغير الملموسة لمختلف تشكلات وتنويعات التراث الإنساني، باعتباره ال ثقافي الممارس الحي والمنتقل عبر الأجيال من خلال حاملي وممارسي عناصره الأساسية، فهو مرتبط بشكل مباشر بهُوية مبدعيه
أمثلة: المتن الشعبية الحكايات الشعبية - فالحكاية الشعبية، على غرار كل من الشرع والعرف والقانون، هي الأخرى كانت من بين اهتماماتها، الإنسان والم جال، والحفاظ على الموارد (الماء) بشكل مستدام، فالمغاربة يعشون التنمية المستدامة منذ قرون، من خلال أساليب في منتهى الذكاء، إلى جانب الخطارات هناك الحكايات الشعبية. باعتبار ، الحكاية الشعبية تندرج ضمن الثقافة المغربية هي مركب، للمجال يعرف تنوع وخصائص متعددة، من شمال يعرف وفرة في الماء، وجنوب يعيش الندرة، حيث كان الماء هو العنصر الأبرز في العديد من الحكايات، باعتباره شرط الوجود و الإمتداد وعنصر استقرار وهدم في الآن ذاته.
ان تقديس الماء، وتعزيز مكانته والرمزية والمادية في المجتمع، لم يحدث فقط بالإستناد إلى منظومة قانون ية تستند إلى الشرع والعرف، بل تواصل عن طريق الحكاية الشعبية، التي تؤسس لنظام قيمي قوي التأثي، الذي يسهم بالفعل والقوة في بناء وضعيات ثقافية اجتماعية التي تعزز مكانة الماء في المخيال الجمعي
ولهذا سنحاول في هذا المقام، إبراز بعض الحكايات الشعبية في علاقتها بالماء، بمنطقة تدغى. فمنطقة تدغى العليا، بجنوب شرق المغرب، حيث عطوبية المجال وندرة التساقطات المطرية، ساهمت الحكاية وبقوة في حماية الثروة المائية، عن طريق استثمار آليات اللعنة والثواب.
❖ الحكاية الأولى عن عين مائية : الحكاية تقول، على أن العين المائية بتدغى العليا، بها أفعى مباركة لا تمس بسوء إلا من غسل ثيابه أو رجليه في العين، أما من يريد الشرب فقط، فالأفعى لا تمسه بسوء، بل تشكره على حسن ما فعل، وتيسر له كثيرا من الأعمال في حياته، وبس بب الاعتقاد في وجود هذه الأفعى، فإن تلك لا تستعمل إلا للشرب، ولا تتعرض بالمرة للتل وث
❖ الحكاية الثانية عن عين سمك المقدس: تتحدث عين سمكة المقدس، التي توجد قريبا من مضايق تدغى ، والتي يؤكد السكان المنطقة، أن بها أسماكا مباركة، تظهر تظهر يوم الجمعة أساسا، وتحمل أقراطا في زعانفها، لا ينبغي أن تصطاد أو تؤكل، وبذلك يحذ من إيذائها، حيث يشير الكثيرون من عاقبة المعتدين على الأسماك، وجودة مياه العين.
فمن المؤكد أن فلان صار عقيما بسبب فعلته، أي بسبب اعتدائه على سمك المقدس. ومن هنا نستنتج، ساهم الدين الإسلامي في إضفاء طابع القداسة على الماء، مثلما أوصت الديانات الأخرة ونظم أخلاقية أخرى، بوجوب الاهتمام بالماء باعتباره أصل حياة، مثلما اشتغلت الثقافة الشعبية على توكيد هذه القداسة عن طريقة الحكاية الشعبية، وأساسا عن طريق آليتي الثواب واللعنة، ففي النماذج السباقة، يلوح باستمرار ذلك التقابل بين، مآل من يحترم العين المباركة والسمك المقدس، ومآل من لا يحترم المحاذير التي تتحدث عنها الحكايات الشعبية.
II - نموذج لرمزية الماء في الحكاية الشعبية
تعتبر المياه مستودعا لكل إمكانيات الوجود ورمزيتها تقتضي الموت كما تقتضي البعث.
فهي تشير الى نشأة الكون، ويحتل الماء مكانة مهمة في الأوساط الشعبية المغربية، اذ يكتسي طابعا خاصا في الموروث الشعبي المغربي ويتجلى ذلك فيما يلي: في الحكايات الشعبية والأمثال والحكم وفي الأدعية أيضا وعما ذكر الحكاية الشعبية نتطر ق للحديث عن حكاية شعبية متوارثة جيلا بعد جيل.
- الحكاية الشعبية المغربية (بحيرة ايسلي وتسليت):
فاذا كان حب "قيس وليلى" أسطورة في الشرق فعند أمازيغ المغرب حكاية عشق عابرة للأزمان تعرف ب "ايسلي وتسليت"، وتعني "العروس والعريس"، هذان الاسمان تعرف بهما بحيرتان في احدى مناطق املشيل الأمازيغية وسط المغرب...
فما قصة هذا العشق المزمن الذي لم يجد له الزمان سبيلا لطمسه حتى أضحى ذكرى سنوية تحتفل بها المنطقة، ويعقد فيه العشاق القران على ضفاف البحيرتان تخليدا لحب مهيب كانت اخر فصوله تحت الماء .
الشاب موحى سليل قبيلة أيت إبراهيم، وقع فريسة حب لفتاة تدعى حادة، تنتمي الى قبيلة ايت اعزة، قبيلتا العاشقين تعيشان عداء دائم، فهما جارتان تنتميان الى قبائل أيت حديدو نواحي أيت املشيل...الصراع بينهما لم يخط شيئا، الحدود ومنابع الماء والأراضي الزراعية وكل ما يستحق ولا يستحق، ووسط ها ته الأشواك من الكراهية فقد نمت وردة العشق بين موحى وحادة، كانا العاشقين يلتقيان خفية من أهل قريتيهما، وتحت ظلال أشجار الخروب المنتشرة في المنطقة، خطط موحى وحادة، لزواج وتتويج حبهما تحت سقف واحد، الا أن القبيلتان معا رفضتا هذا الزواج، حتى منعاهما من لقاء بعضهما البعض، لتتهدم أركان الحب في محراب العداء ...
حبست حادة نفسها في غرفتها حزنا على فراق حبيبها قسرا، وكذلك فعل موحى ورفض الزواج بغير حادة. وعندما بدا لهما الزواج من بعضهما مستحيلا، أغرقت حادة نفسها في بحيرة. وما لبث موحى أن سمع بخبر غرق حبيبته حتى كرر فعلتها وأغرق نفسه في بحيرة أخرى جنب الأولى، وهكذا كان ختام حب قتلته الكراهية.
تعاقبت السنين ولم ينسَ أهل المنطقة الحب الغارق حتى تلاشى العداء بين قبيلة أيت إبراهيم وقبيلة أيت أعزة وللتكفير عن ذنبهما فقد قررا أن يسميا البحيرتان "إيسلي وتسليت" )العروس والعريس( ليحقق حلم موحى وحادة بالزواج رمزيا ولو بعد غرقهما لسنين طويلة، بل وأكثر من هذا، فقد قررت القبيلتان أن تجمعهما صهر دائمة...
ومرت السنين ولم يرحل حب "ايسلي وتسليت" مع مواكب الزمان، حتى صار ذكرى سنوية في "موسم املشيل"، حيث موسم الزواج بين العشاق، والقران يعقد على ضفاف البحيرتان، "ايسلي وتسليت ".
وهكذا فان الماء في هذه الحكاية الشعبية جسدت لنا مجموعة من الرموز والقيم، منها ما كان رمزا للكراهية بين القبيلتين ورمزا للحب بين موحى وحادة وأخيرا رمزا للتسامح والذي جسدته نهاية الحكاية .
- حكاية أسطورة "غنجة":

إرسال تعليق